مقدمة

   ما أن داست قدماي أرض أستراليا الغالية، حتى اصطحبني أحد الأصدقاء إلى حفلة خيرية، أول ما لفتني بها عريف الحفلة، فلقد كان يقدّم الفنانين والفنانات بطريقة سطحية بدائية مضجرة جلبت النعاس لعينيّ.
   وكان صديقي هذا يعلم مدى قدرتي على تقديم الحفلات، بعد أن حضر لي حفلة كنت قد أحييتها في بلدتي مجدليا عام 1970 لدعم مشروع بناء المقابر، وأدخلت اليها التقديم الشعري لأول مرة في لبنان. فما كان منه إلا أن أخبر رئيس الجمعية الخيرية بمواهبي الشعرية المتعددة، فطلب مني أن أقدّمه شخصياً بعد نصف ساعة، غير عابىء بتوسلاتي، خاصة وأن هناك عريفاً لحفلته لا يجب أن أتحداه في عقر داره.
  وما أن قدّمته بعدة أبياتٍ شعرية، حتى التهبت القاعة وتغيّر الجو بتاتاً، وراح يقبّلني على المسرح، بينما راح عريف حفلته ينقرني من على طاولته بحبوب الفستق دون أن أنبس ببنت شفة مخافة أن أسبب بخراب الحفلة.. وللتاريخ أذكر أن هذا العريف المسكين قد رماني بالفستق ومشتقّاته في حفلة أخرى بعد عشر سنوات تقريباً، واعذروني إذا لم أذكر اسمه احتراماً لشيبته الآن.
   وهكذا بدأت رحلتي مع التعريف في أستراليا، حتى لم يبق متعهد حفلات إلا وتعاقد معي قبل أشهر لتقديم حفلته، فلقد كانت دهشة الجمهور والفنانين والفنّانات عظيمة وهم يستمعون إلى شاعر شاب يقدّمهم بطريقة شعرية راقية ومختلفة تماماً عمّا ألفوه في السابق.
   وقد تتعجبون إذا أخبرتكم أنني لم أتقاضَ سنتاً واحداً عن أية حفلة قدّمتها، فلقد كنت أرفض بتاتاً، حتى الهدايا، مخافة أن أتهم ببيع موهبتي الشعرية.
   كما انني، وهذه حقيقة ساطعة، كنت أول من أدخل التقديم الشعري المدروس إلى برامج الحفلات، رغم كثرتها، إذ أنني قدمت المئات منها، دون أن أكرر أشعاري.. فلقد كنت أعطي لكل حفلة قصائد جديدة، تلهب الأكف وتدمع العيون.
   وكيف أكرر شعري، وقد كان المطربون والمطربات يحفظون الأبيات التي أقدمهم بها عن ظهر قلب.. فإذا قدّمتهم بواحدة قديمة، لاموني أشد اللوم، لا بل أن إحدى الفنانات اتهمتني بأنني قدّمت زميلتها بما قدّمتها به، ولم تقتنع إلا عندما أعطيتها الأبيات الشعرية مكتوبة على منشفة ورقية، كونها لم تكن ضمن البرنامج الذي أعطي لي من قبل، بل دخلته فجأة، وكان ما كان.
   المؤسف حقاً، أن قصائد كثيرة ضاعت مني، كوني لم أعرها اهتماماً أدبياً إلا بعد أن طالبني الأستاذ جوزيف بو ملحم بنشرها في زاوية (ستوب) التي كنت أكتبها أسبوعياً في جريدته (صدى لبنان)، وبعد أن سمعت بأذنيّ عريفاً آخر يقدم البرنامج الفني بأشعاري دون ذكر اسمي، فقررت أن لا أضيّع ما تبقى من هذه (التقديمات) الصادقة، التي تؤرّخ لفننا المهجري، وتطلع القارىء على أسماء فنية، قد لا يكون قد سمع بها، ولا في أية سنة حلّقت.. خاصة وأن هناك من اعتزل أو رحل.
   لقد قسّمت (تقديماتي الفنية) إلى كتابين، كتاب أسميته (بلابلنا)، ويحتوي على قصائد قدمت بها فنانين مهجريين، والثاني (فنّان)، ويحتوي على ما تبقّى عندي من قصائد قدمت بها فنانين لبنانيين أمثال وديع الصافي، صباح، ملحم بركات، جوليا بطرس، بسكال صقر، وائل كفوري، طوني حنا، يوسف رحمة وغيرهم وغيرهم. وها أنا أرمي "بلابلنا" بين أيديكم. أرجو أن ينال إعجابكم.
شربل بعيني

**
رسالة من الفنانة وفاء صدقي

   ماذا أكتب إليك إيّها الانسان الحساس؟
   ماذا تكتب وفاء صدقي الملحنة التي تعصر أحاسيسها أنغاماً، لتصوّر الكلمة، وتعيش مع أحاسيس كاتبها؟
   ماذا أكتب أيها الشاعر الفنان؟
   ماذا أكتب لمن كتب:
جايي إنت جايي
يا مركب البدايه
من أحلام ولاد
خلقوا بقلب حكايه
ما بتعرف نهايه
تا يعيشوا ببلاد
مراجيحا بالعالي
ونجوما دوالي
وسنينا أعياد
   ماذا أكتب لمن ثار على الطغيان وتجار الأديان؟
   ماذا أكتب لشلال الشعر المتدفّق، والكلمة الحساسة والصوت الداوي؟
   ماذا أكتب، إن لم أكتب بكلماتك، يا من أتيت من بلد الحرائق، "بنور وعطر وزنابق"، فكانت كلماتك في بلاد الاغتراب سياطاً على أعناق المدعين والمتاجرين بالكلمة؟
   ماذا أكتب أيها الصديق لأشكرك على هديتك القيّمة، مجموعتك الشعرية، وعلى روحك الشفافة المحلقة أبداً في سماء أرض أحرقها الحقد، ودمرها الطغيان، تطفو على صفحات كتبك؟
   ولكن، أقول لك بكلماتك: أعدني يا شربل بعيني أن تبقى الصوت الداوي حتى يعود لبنان موحداً، ورايته تعلو وتخفق، وترفرف في سماء بلادنا الأم.
  وأسألك أن تتقبل مني كل المحبة والتقدير والاحترام لشخصك ولكلماتك. مع تمنياتي أن تبقى الشلال المتدفّق بالأحاسيس، والكلمات المصوّرة بصدق للألم والحب والواقع، بكل ما فيه من حزن وفرح متعالياً عن كل ماديات الكون.
   وفقك الله، وإن كانت بداية الغيث بيننا ثلاث قطرات هي: "تغرّبوا" و"هالقصّه" و"يا جدّي"، فلن يقف السيل عند هذا الحد، والقطرة الرابعة "جايي"، وسيكون فيها قطرات من روح وفاء، وقطرات من شفافية شربل بعيني.
مع تقديري ومحبتي
البيرق، العدد 188، 13/3/1990
**
رسالة من الفنان اسماعيل فاضل
(غنى لشربل بعيني عدة قصائد منها قصيدة فافي)

سلمتِ يا فافي
يا أحلى كلمة على شفافي
جبرانيةٌ انتِ مذ كنتِ بيننا
حارتْ بوصفكِ كل القوافي
 الشكرُ لك يا شربلُ اذ
عرّفتَنا بسيدة النيل الصافي
تحيه لك من الأعماق استاذ شربل..
وانا أحاول ان اُعَبّرَ ببيتين من الشعر بحقك وحق الأستاذة الجبرانية الفاضلة (فافي) فاطمة ناعوت.
حيث كانت بحق نسمه عطره مرت بنا شممنا عطرها ولا زال عبقها باقٍ بيننا، وتركت اثراً طيباً في نفوسنا.
اتمنى ان توصل لها هذه الأبيات الشعرية البسيطة عن طريقك.
مع فائق الاحترام والتقدير لك استاذ شربل بعيني.
   أخوكم الجبراني
   اسماعيل فاضل
استراليا - سيدني
الاول من كانون الاول ٢٠١٤
**
رسالة من الفنان جاد ساسين

   مش عارف كيف ومن وين رح بلّش بكلمتي، انما بقلّك اني رج احكي معك باللهجه اللبنانيه يلّي منعتز فيها متل ما منعتزّ ببلادنا، بالرغم من كل يلي صار على ارضا. ورح نرجع بإذن الله.
   شربل بعيني،
   اسمحلي احكي معك متل أخ إلي، لأن الناس اللي بيعطوني اهتمامهن بحكي معن وبعتبرهن متل الاخوة. بالنهايه نحنا كلنا اخوه بالحياة.
   مش رح طوّل عليك بالكلام، ومتل ما بيقولوا انو خير الكلام ما قل ودل، لهالسبب أنا بدي اشكرك لأنك فكّرت فيّي بزاوية "ستوب" بالجريدة، ومش أنا بس عم اشكرك، كمان بشكرك بإسم زميلي وصديقي غسان الرحباني، والأب الروحي إلي الاستاذ الياس الرحباني، يلي ذكرتن كمان بلفتة مميزة.
   الشكر مش رح يكون بس على الورق، انشالله بأقرب وقت منجتمع مع بعضنا، وأكيد الجلسة رح تكون مطوّلة، ورح نستفيد منها بأشياء كتيرة من ثقافتك، وحبك للناس.
   بالمناسبة، انشالله تكون الاستاذة سوزان بعيني من الاقارب، لأنو انا وياها من أعز الاصدقاء، ونحنا منفتخر فيها بلبنان.
   كلمتي الأخيرة رح تكون الى اللقاء، ورح ارفقها بقبلة شكر من أخ لخيّو.
صديقك الجديد
جاد
سيدني 1989
**